القراءة: احتياج انساني
قراءة الكتب أصبحت تعيد ترتيبها في اهتمامات
الجيل الجديد، إلا أن المجتمع والشباب لديهم فكرة مسبقة أن قراءة الكتب هي رفاهية
ودليل على استباقية الفرد وثقافته بالمقارنة مع اقرانه. الحقيقة ان القراءة ليست
جزء من الثقافة او التميز، إنما القراءة هي حاجة واحتياج، القراءة هي ضرورة ولا
تقل اهمية عن العمل، القراءة هي احتياج وجداني منذ الأزل، القراءة ارتبطت بالعلم
والازدهار والتقدم في جميع الحضارات، حتى ولو كان عدد قليل من شعوب العالم القديم أدركوا
معنى الكلمات، فمن بنى الحضارات القديمة وأشعل نور العلم هم القُرّاء العُلماء.
يحتاج
الفرد أن يُفهم وينقل معرفته وتجاربه لذا الكتابة هي متنفسه الوحيد؛ طالما كان
هناك -ومازال- كتابة في مختلف العصور، فلا بد أن من كان يكتب أراد أن يقرأ أحدهم
كتاباته أو أن يفهم المغزى من رسوماته؛ فكما قلت القراءة احتياج وجداني. القراءة
هنا لا تخص لغة بعينها، فالعربية لغة
والهيروغولفية لغة والسامرية لغة والسواحلية لغة والكوشية لغة وغيرها، بل حتى
نقشات العصور الحجرية لغة ايضًا!
القراءة
كانت الوصية الأولى للرسالة السماوية "الاسلام" التي أنزلت على نبي الرحمة رسول الله محمد صلى
الله عليه وسلم، قال تعالى }اقرأ باسم ربك الذي خلق{
الآية الأولى 1 سورة العلق، هذا يجعلها ذات أهمية كبيرة في الأديان السماوية، اذًا
لا بد أن القراءة بها سر كوني يُحسن من حياة الإنسان ويضيف لها بريق من الحرية.
القراءة هي باب المعرفة الأكثر وضوحًا، ونوع من
أنواع الحرية التي تجعلك تنتقل بين العقول متجاهلًا لعنصر الزمان وعنصر المكان،
أنت تطفو في عقل الكاتب وتحلق في اللازمكان حيث لا يوجد هناك ما يقيدك.
"كُن قارئًا تكن أجمل" ربما هذا ليس
باقتباس ولكنه حقيقة، القراءة تجعلك أقوى وأذكى وأكثر تعاطفًا، تمنحك القراءة ذكاء
علمي وذكاء ادبي، تهديك ذكاء اجتماعي لتحررك من قيود ذاتك المنطوية. القراءة توسع
مداركك وآفاقك وتبني لك قصور مملكتك الخيالية، وتعيد تشكيل عالمك الداخلي.
لست مطالب أن تقرأ نوعًا واحدًا محددًا ينصحك به
أحدهم بل انت تحتاج ان تنوع من قائمة قرائتك كل حين جرب أنواعًا مختلفة من الكتب. جرب نكهات مختلفة من المعرفة، وسافر من
عالم إلى آخر، تارةً اقرأ كتب علم النفس والتنمية البشرية وتارةً أخرى حلق في سماء
رواياتك المفضلة، تعلم علومًا جديدة واخرج من دائرة الراحة التي تحيط بك هذه، ما
رأيك ببعض كتب الأشعار، أو ربما مذكرات شخصية عرفها التاريخ بجانبها المشرق فقط
واستأثرت بظلامها لكُتّاب المذكرات. اقرأ كُتبًا دينية علها تكون سبب اضافي لخلاصك
وحبك لخالقك، اقرأ كتب الأدب العربي والعالمي أو سافر بالزمن بكتب التاريخ. اشعل
حماسك بكتب روادٌ جُدد في عالم الكتابة؛ ربما تكون منهم يومًا ما.
اقرأ روايات وقصص الغموض والألغاز، فكر كالمحققين
في القصص البوليسية، او اندمج مع شخصيات روايتك الاجتماعية وكن رفيقًا لارتباكاتهم
وسعادتهم ولكل هذا الكم هائل من الدراما التي يصنعونها بمجرد موقف عادي. حرر
قيود فكرك واقرأ في الخيال أيضًا، اقرأ قصص النجاح وتلك القصص القصيرة الحقيقية
التي تعكس صورة الانسان الطبيعية المشوشة وغير المثالية.
أحيانًا كل ما نحتاجه لنسير في الطريق بثقة
ونتخطى العقبات والحواجز النفسية جملة واحدة، جملة واحدة قد تغير طريقة تفكيرك
لتصبح أكثر تقبلًا وحريةً وانفتاحًا، جملة واحدة قادرة على ان تعيد زمام الأمور
وتصحح مسارك ورسالتك في هذه الحياة، فقط
كمٌ يسير من الكلمات قادر على أن يشعل بداخلك لهيب ومنارة الأمل.
بقلم: ترتيل عوض